فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الأرض عَدَدَ سِنِينَ (112)}.
اعلم أن في هذه الآية مسائل:
المسألة الأولى:
قال صاحب الكشاف في مصاحف أهل الكوفة {قَالَ} وهو ضمير الله أو المأمور بسؤالهم من الملائكة، و{قُلْ} في مصاحف أهل الحرمين والبصرة والشام وهو ضمير الملك أو بعض رؤساء أهل النار.
المسألة الثانية:
الغرض من هذا السؤال التبكيت والتوبيخ، فقد كانوا ينكرون اللبث في الآخرة أصلًا ولا يعدون اللبث إلا في دار الدنيا ويظنون أن بعد الموت يدوم الفناء ولا إعادة فلما حصلوا في النار وأيقنوا أنها دائمة وهم فيها مخلدون سألهم {كَمْ لَبِثْتُمْ في الأرض} تنبيهًا لهم على أن ما ظنوه دائمًا طويلًا فهو يسير بالإضافة إلى ما أنكروه، فحينئذ تحصل لهم الحسرة على ما كانوا يعتقدونه في الدنيا من حيث أيقنوا خلافه، فليس الغرض السؤال بل الغرض ما ذكرنا.
فإن قيل فكيف يصح في جوابهم أن يقولوا: {لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} ولا يقع من أهل النار الكذب قلنا لعلهم نسوا ذلك لكثرة ما هم فيه من الأهوال وقد اعترفوا بهذا النسيان حيث قالوا: {فَاسْأَلِ العادين} قال ابن عباس رضي الله عنهما أنساهم ما كانوا فيه من العذاب بين النفختين وقيل مرادهم بقولهم: {لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} تصغير لبثهم وتحقيره بالإضافة إلى ما وقعوا فيه وعرفوه من أليم العذاب والله أعلم.
المسألة الثالثة:
اختلفوا في أن السؤال عن أي لبث وقع، فقال بعضهم لبثهم إحياؤهم في الدنيا ويكون المراد أنهم أمهلوا حتى تمكنوا من العلم والعمل فأجابوا بأن قدر لبثهم كان يسيرًا بناء على أن الله تعالى أعلمهم أن الدنيا متاع قليل وأن الآخرة هي دار القرار، وهذا القائل احتج على قوله بأنهم كانوا يزعمون أن لا حياة سواها، فلما أحياهم الله تعالى في النار وعذبوا سألوا عن ذلك توبيخًا لأنه إلى التوبيخ أقرب، وقال آخرون بل المراد اللبث في حال الموت، واحتجوا على قولهم بأمرين: الأول: أن قوله في الأرض يفيد الكون في القبر ومن كان حيًا فالأقرب أن يقال إنه على الأرض وهذا ضعيف لقوله: {وَلاَ تُفْسِدُواْ في الأرض} [الأعراف: 56]، الثاني: قوله تعالى: {وَيَوْمَ تَقُومُ الساعة يُقْسِمُ المجرمون مَا لَبِثُواْ غَيْرَ سَاعَةٍ} [الروم: 55] ثم بين سبحانه أنهم كذبوا في ذلك وأخبر عن المؤمنين قولهم: {لَقَدْ لَبِثْتُمْ في كتاب الله إلى يَوْمِ البعث} [الروم: 56].
المسألة الرابعة:
احتج من أنكر عذاب القبر بهذه الآية فقال قوله: {كَمْ لَبِثْتُمْ في الأرض} يتناول زمان كونهم أحياء فوق الأرض وزمان كونهم أمواتًا في بطن الأرض فلو كانوا معذبين في القبر لعلموا أن مدة مكثهم في الأرض طويلة فما كانوا يقولون: {لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} والجواب: من وجهين: أحدهما: أن الجواب لابد وأن يكون بحسب السؤال، وإنما سألوا عن موت لا حياة بعده إلا في الآخرة، وذلك لا يكون إلا بعد عذاب القبر والثاني: يحتمل أن يكونوا سألوا عن قدر اللبث الذي اجتمعوا فيه، فلا يدخل في ذلك تقدم موت بعضهم على البعض، فيصح أن يكون جوابهم {لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} عند أنفسنا.
أما قوله: {فَاسْأَلِ العادين} ففيه وجوه: أحدها: المراد بهم الحفظة وأنهم كانوا يحصون الأعمال وأوقات الحياة ويحسبون أوقات موتهم وتقدم من تقدم وتأخر من تأخر، وهو معنى قول عكرمة فاسأل العادين أي الذين يحسبون وثانيها: فاسأل الملائكة الذين يعدون أيام الدنيا وساعاتها وثالثها: أن يكون المعنى سل من يعرف عدد ذلك فإنا قد نسيناه ورابعها: قرىء {العادين} بالتخفيف أي الظلمة فإنهم يقولون مثل ما قلنا وخامسها: قرىء {العاديين} أي القدماء المعمرين، فإنهم يستقصرونها فكيف بمن دونهم؟
أما قوله: {لَّبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلًا} فالمعنى أنهم قالوا: {لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} على معنى أنا لبثنا في الدنيا قليلًا، فكأنه قيل لهم صدقتم ما لبثتم فيها إلا قليلًا إلا أنها انقضت ومضت، فظهر أن الغرض من هذا السؤال تعريف قلة أيام الدنيا في مقابلة أيام الآخرة.
فأما قوله تعالى: {لَّوْ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} فبين في هذا الوجه أنه أراد أنه قليل لو علمتم البعث والحشر، لكنكم لما أنكرتم ذلك كنتم تعدونه طويلًا. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله: {قَالَ كَمْ لَبِثْتُم فِي الأرض عَدَدَ سِنِينَ}.
فيه وجهان:
أحدهما: أنه سؤال لهم من مدة حياتهم في الدنيا، قالوا لبثنا يومًا أو بعض يوم، استقلالًا لحياتهم في الدنيا لطول لبثهم في عذاب جهنم.
الثاني: أنه سؤال لهم عن مدة لبثهم في القبور وهي حالة لا يعلمونها فأجابوا بقصرها لهجوم العذاب عليهم، وليس بكذب منهم لأنه إخبار عما كان عندهم.
{فَاسْئَلِ الْعَادِّينَ} فيه قولان:
أحدهما: الملائكة، قاله مجاهد.
الثاني: الحُسّابُ، قاله قتادة. اهـ.

.قال ابن عطية:

{قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الأرض عَدَدَ سِنِينَ (112)}.
قرأ نافع وعاصم وأبو عمرو وابن عامر {قال كم لبثتم} و{قل إن لبثتم}، وقرأ حمزة والكسائي فيهما {قل لكم لبثتم} و{قل إن لبثتم}، وروى البزي عن ابن كثير {قل كم} على الأمر {قال إن} على الخبر، وأدغم أبو عمرو وحمزة والكسائي التاء، والباقون لا يدغمون. فمعنى الأول إخبار عن الله بوقفهم بالسؤال عن المدة ثم يعلمهم آخرًا بلبثهم قليلًا، ومعنى الثانية الأمر لواحد منهم مشار إليه بمعنى يقال لأحدهم قل كذا فإذا غير القويم قيل له {قل إن لبثتم}، ومعنى رواية البزي التوقيف ثم الإخبار وفي المصاحف قال فيهما إلا في مصحف الكوفة فإن فيه {قل} بغير الألف، وقوله: {في الأرض} قال الطبري معناه في الدنيا أحياء وعن هذا وقع السؤال ونسوا لفرط هول العذاب حتى قالوا {يومًا أو بعض يوم}.
قال الفقيه الإمام القاضي: والغرض من هذا توقيفهم على أن أعمارهم قصيرة أداهم الكفر فيها إلى عذاب طويل، وقال جمهور المتأولين معناه في جوف التراب أمواتًا.
قال الفقيه الإمام القاضي: وهذا هو الأصوب من حيث أنكروا البعث، وكان قوله إنهم لا يقومون من التراب قيل لهم لما قدموا {كم لبثتم}؟ وقوله آخرًا {وأنكم إلينا لا ترجعون} يقتضي ما قلناه، و{عدد} نصب ب {كم} على التمييز، وقرأ الأعمش {عددًا سنين} بتنوين {عددًا} وقال مجاهد أرادوا ب {العادين} الملائكة، وقال قتادة أرادوا أهل الحساب.
قال الفقيه الإمام القاضي: وظاهر اللفظ أنهم أرادوا سل من يتصف بهذه الصفة، ولم يعينوا ملائكة ولا غيرها لأن النائم والميت لا يعد الحركة فيقدر له الزمن، وقوله: {إن لبثتم إلا قليلًا} مقصده على القول بأن اللبث في الدنيا، أي قليل القدر في جنب ما تعذبون، على القول بأن اللبث في القبور معناه أنه قليل إذ كل آت قريب ولكنكم كذبتم به إذ كنتم لا تعلمون إذ لم ترغبوا في العلم والهدى. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {قال كم لبثتم}.
قرأ نافع، وعاصم، وأبو عمرو، وابن عامر: {قال كم لبثتم} وهذا سؤال الله تعالى للكافرين.
وفي وقته قولان:
أحدهما: أنه يسألهم يوم البعث.
والثاني: بعد حصولهم في النار.
وقرأ ابن كثير، وحمزة، والكسائي: {قل كم لبثتم} وفيها قولان:
أحدهما: أنه خطاب لكل واحد منهم، والمعنى: قل يا أيها الكافر.
والثاني: أن المعنى: قولوا، فأخرجه مخرج الأمر للواحد، والمراد الجماعة، لأن المعنى مفهوم.
وأبو عمرو، وحمزة، والكسائي يدغمون ثاء {لبثتم}، والباقون لا يدغمونها؛ فمن أدغم، فلتقارب مخرج الثاء والتاء، ومن لم يدغم، فلتباين المخرجين.
وفي المراد بالأرض قولان:
أحدهما: أنها القبور.
والثاني: الدنيا.
فاحتقر القوم ما لبثوا لِما عاينوا من الأهوال والعذاب فقالوا: {لبثنا يومًا أو بعض يوم} قال الفراء: والمعنى: لا ندري كم لبثنا.
وفي المراد بالعادِّين قولان:
أحدهما: الملائكة، قاله مجاهد.
والثاني: الحُسَّاب، قاله قتادة، وقرأ الحسن، والزهري، وأبو عمران الجوني، وابن يعمر: {العادِين} بتخفيف الدال.
قوله تعالى: {قال إِن لبثتُم} قرأ ابن كثير، ونافع، وعاصم، وأبو عمرو، وابن عامر: {قال إِن لبثتم}.
وقرأ حمزة، والكسائي: {قل إِن لبثتم} على معنى: قل أيها السائل عن لبثهم.
وزعموا أن في مصحف أهل الكوفة {قل} في الموضعين، فقرأهما حمزة، والكسائي على ما في مصاحفهم، أي: ما لبثتم في الأرض {إِلاَّ قليلًا} لأن مكثهم في الأرض وإِن طال، فإنه مُتَنَاهٍ، ومكثهم في النار لا يتناهى.
وفي قوله: {لو أنَّكم كنتم تَعْلَمون} قولان:
أحدهما: لو علمتم قدر لبثكم في الأرض.
والثاني: لم علمتم أنكم إِلى الله ترجعون، فعملتم لذلك. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الأرض}.
قيل: يعني في القبور.
وقيل: هو سؤال لهم عن مدّة حياتهم في الدنيا.
وهذا السؤال للمشركين في عَرَصات القيامة أو في النار.
{عَدَدَ سِنِينَ} بفتح النون على أنه جمع مسلّم، ومن العرب من يخفضها وينوّنها.
{قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} أنساهم شدّةُ العذاب مدّةَ مكثهم في القبور.
وقيل: لأن العذاب رفع عنهم بين النفختين فنسوا ما كانو فيه من العذاب في قبورهم.
قال ابن عباس: أنساهم ما كانوا فيه من العذاب من النفخة الأولى إلى الثانية؛ وذلك أنه ليس من أحد قَتَلَه نبيّ أو قتل نبيًّا أو مات بحضرة نبيّ إلا عُذب من ساعة يموت إلى النفخة الأولى، ثم يُمْسَك عنه العذاب فيكون كالماء حتى يُنفخ الثانية.
وقيل: استقصروا مدّة لَبثهم في الدنيا وفي القبور ورأوه يسيرا بالنسبة إلى ما هم بصدده.
{فَاسْأَلِ العآدين} أي سلِ الحُسّاب الذين يعرفون ذلك فإنا قد نسيناه، أو فاسأل الملائكة الذين كانوا معنا في الدنيا؛ الأوّل قول قتادة، والثاني قول مجاهد.
وقرأ ابن كَثير وحمزة والكسائي {قل كم لبِثتم في الأرض} على الأمر.
ويحتمل ثلاثة معانٍ: أحدها: قولوا كم لبثتم؛ فأخرج الكلام مخرج الأمر للواحد والمرادُ الجماعة؛ إذ كان المعنى مفهومًا.
الثاني: أن يكون أمرًا للمَلَك ليسألهم يوم البعث عن قدر مكثهم في الدنيا.
أو أراد قل أيها الكافر كم لبثتم، وهو الثالث.
الباقون {قال كم} على الخبر؛ أي قال الله تعالى لهم، أو قالت الملائكة لهم كم لبثتم.
وقرأ حمزة والكسائيّ أيضًا {قَالَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلًا} الباقون {قال} على الخبر، على ما ذكر من التأويل في الأوّل؛ أي ما لبثتم في الأرض إلا قليلًا؛ وذلك أن مكثهم في القبور وإن طال كان متناهيًا.
وقيل: هو قليل بالنسبة إلى مكثهم في النار؛ لأنه لا نهاية له.
{لَّوْ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} ذلك. اهـ.